هاشم ود إبراهيم عوض …
( هيَّجتني الذكرى ) …
قبل أكثر من عام تقريباً ..
و ( إشارة المرور ) تأذن لي بالعبور
إلي ( ديرة سيتي سنتر دبي ) ..
و جدتني أنتظر حتى ( إحْمَرَّت ) في وجهي ..
و لم يكن هناك من سببٍ بيِّنٍ لهذا
الانتظار ، و التراجع عن العُبور ..
و بعدها عرفت أن قدري كان
يُخبئ لي مصادفةً ( سارة ) ، في
هذه البُرهة القليلة ، إذ وجدتني
وجهاً لوجه مع الشاب الوجيه
دكتور هاشم إبراهيم عوض
رأيته يُسْرِع نحوي ، فأسرعت
نحوه بأسرع مما أسرع إليَّ ..
و ( هاشم ) كلما تلقاه ، يغمرك
احساسٌ بالشوق إليه ، و يأتيك
من تلقائه احساسٌ مُضاعف بأنه مشتاق إليك
احساسُ أنه قريبٌ جداً منك ،،
و احساس أنه لصيقٌ جداً جداً بك ..
و يقيني أن هذا الإحساس يتمشى
في أوصال كل معارفه و ذوي مودته
..يومها أصرَّ على مرافقتي إلى وجهتي
و كان أكثر إصراراً و الحاحاً ، و هو
يهدي إليَّ قاروة عطرٍ من ( شانيل
و هو العطر الذي يستهويني كثيراً ،
و لا أزال احتفظ به ( تذكار عزيز
من إنسان جميل ، دون أن استفرغه ،
و قد حملته مع أغراضي الأثيرة ، و أنا
أغادر منزلي في ( أم درمان ) ، إلى مسقط رأسي ( الكتياب ) ..
- و بالرغم من اقامته في ( أمريكا )
- إلا أنك تجده لا يطيق الغياب طويلاً
عن
( السودان الذي ( كان.
و ( السودان ) الذي نَرْنوا لأن ( يكون
أحسن مما ( كان ) إن شاء الرحمن
و كان ( هاشم ) ما أن يحل حتى يسري كالنسيم في نهارات ( الخرطوم
و لياليها ..
تلقاه هنا و هناك ،
مُعزيِّاً تارة و مهنئا تارات ،
و في كلٍ يُقْبِلُ بنفسٍ راضية ،
و فؤادٍ حميم
و كأنه يعرف الجميع و صديقٌ
للجميع
و كأنه يعيش في وجدان الجميع
و هو من يَهَبُ وقتَه و مشاعرَه
للجميع
و الجميع يرون فيه واحدة من اجمل اغانية والده أعزَّ عزيز
السخاء ، و الأريحية ، و البشاشة ،
و مطايبة الناس ، و حُسن العُشرة ،
خُلْق كان يتصف به و الده ( الذري ) ، فقد شهد له الكثيرون أنه عندما كان يغني في ( فرح ) ، يأخذ وقتاً طويلاً
و هو يُسَلَّم و يعانق و يسأل عن الأحول ..
( كيفِك و كيف أولادِك يافلانة )
و وينك يافلان طولنا ما شفناك
و هكذا ، قبل أن يشرع في الغناء ..
و قد أطلق عليه الكاتب البارع
الفارع محم حامد جمعة لقب
عشا البايتات
و هو يصف دهشته عندما رآه مرة في إحدى ( المصالح الحكومية ) ، و كيف كان بوجهٍ طلقٍ يستقبل كل من قابله ،
و يقف لمن أقبل عليه ، مُقالِداً ،
و مُمسكاً بالكف و محتضناً ..
و مضى ( محمد حامد ) قائلاً :
اتت عجوز ( فرَّاشة ) ، أظن لها
عنده قديم اثر وذكرى وشجن من اغانيه في ازمنة مضت ، قام اليها ،
و اندست بين كتفيه تصافحه فتتنزل تعابير السلام الشائع ( الله يبار فيك ، الله يسلمك ) ، و هو من جانبه يحدر السلام من شلالات لسانه، ثم امسك بيدها يحادثها واقفا ، يمازحها ، فترد
يا (ابراهيم) تسميه بلا كلفة ترد على سؤاله المرح بشرح او تضيف عبارة لطيفة ، مع شد جانب الثوب على
بعض وجهها ان افرطت في
الضحك
و قد تجلت لي تلك المحبة ، و أنا
أشهد تشييعه إلى مقابر البكري
و تقاطُر الجموع ، من كل جنسٍ
و لونٍ و طيف ، إلى منزله ، و كلٌ
يُعزِّي و يتعزَّى ، و يشكو ( ألم
الفراق)
إذن
( هاشم ) ورث عن ( إبراهيم عوض )
المَحَبة
أن تكون مُحِباً للناس
و محبوباً من الناس
و هذه هبة من رب الناس
يضعها فيمن يصطفى من الناس ..
و هو يقبل بمحبة على كل من
يرى فيه لمحةً من أبيه
و قد قال لي مرة ، بل أكثر من مرة ،
ما يعني هذا ..
ذلك أن ( هاشم.
ينجذب إلى كل من يَشْتَّم فيه
رائحة إبراهيم عوض
و يُقبل على كل من يحب
( إبراهيم عوض )
و يطرب لكل من يتغنى بروائع
إبراهيم عوض
و يرى ( إبراهيم عوض ) في جمال
كل جميل و يراه في أناقة و جاذبية كل أنيق
جذَّاب
ويرى نفسه الأبِيَّة في كل نفسٍ
أبِيَّةٍ
و ( نفسك أبية ) من أجمل ما غنى
( إبراهيم عوض ) لجاره و شيخه ( عبدالرحمن الريح )
نفسك أبيه و روحك خفيفه
و ليك جاذبيه
ليك جاذبيه و روح من رقه الانسام ..
مأخوذه من أنفاس السوسن البسام سَمَت بأشواقي من عالم الاجسام للعالم الروحي حيت الجمال يوحي روائع الالهام
و ( عبد الرحمن الريح
و ( إبراهيم عوض ) ، قصص
و حصص ، خير من يحدِّث عنها ،
و يُفتي فيها ، أستاذنا رفيع القدر ،
عاشق النور و الزهور و البلور
( بشرى النور ) ..
و كذلك ( إبراهيم عوض )
مع ( الطاهر إبراهيم
و عبداللطيف خضر
السني الضو
سيف الدين الدسوقي
و اللواء عوض أحمد خليفة
( يا غاية الآمال
لو دعاك الشوق
ما كان جفيتنا زمان
و انت الحنان و الذوق)
و ( محجوب سراج ) ..
( لو بتفتكر الليالي تداوي غُلبي
ولا تاني ترجع الأفراح لدربي
انت واهم ياحبيبي
دي الليالي أمرَّ ليَّ
من دموعي الفي عينيَّ
و كل لحظة تمر عليَّ
تنقص الأفراح شوية
و تطفي شمعاتي القليلة
و افضل ابكي و اقول حليلة
في الدموع أنا كل ليلة
ادفن أشواقي و حناني ) ..
و ( مصطفى عبدالرحيم ) ..
(جرحي الأليم الشايلو تذكار
طول حياتي أسى و هموم
و النعمان على الله
( ما بقدر أبوح أنا ما قادر أصرح )
و المهندس ( محجوب بكري )
( بزيارتك بيتنا نور كلو زينة )
و ( إبراهيم الرشيد )
( يا زمن وقف شوية
يازمن ارحم شوية
و اهدي لي لحظات هنية
و بعدها شيل باقي عمري
شيل شبابي شيل عينيا )
و شعراء كُثر حلقوا بنا مع ( الذري )
في فضاءات البهاء و الصفاء ،
و ( ليالي لقانا ) ، و (جمال دنيانا )
و ( ملاذ أفكار الهيمانة )
( متين يا مسافر عودة لي أم درمان
كتير لو لحظة تغيب عن الأوطان
تعود وأقابلك مبتسم فرحان
كأنك زهرة ندية في بستان
متين ياربي تاني تلمنا
قريب ياربي إن شاءالله تلمنا )
آمين .. آمين
.
من ( حي عرب أم درمان وهاشم
و ناس ( حي العرب ) ، البساطة ،
و الطيبة ، و العُشرة النبيلة ، و النية
السليمة ، و أرواح مُترعة بالحب
و المحنَّة و الجمال ..
و ( هاشم
من نَسلِ ( إبراهيم عوض )
( إبراهيم عوض ) ذلِكُم الذي
هو كتابٌ فصوله ..
الكفاح ،،
و النجاح ،،
و تَعَّهُد الأسرة بالفلاح و الصلاح ..
و هو إذ يبلغ ( غاية الآمال ) في فن الغناء ، إلا أنه ظل في غاية الالتزام
و القِوامة على أسرته ، معاشاً
و تنشئةً و صقلاً و تأهيلاً و تهذيباً ..
لقد رُزق ستة أبناء ، أكبرهم كابتن
طيار ( عوض ) ، و من بعده الطبيب ( مازن ) ، ثم التوأم دكتور صيدلاني (حسن ) و دكتور صيدلاني( هاشم )
و جاء طبيب الأسنان ( مجتبى )
و آخرهم دكتور صيدلاني ( محمد )
ذلك أن ( إبراهيم عوض ) الذي
تخصص في طب الجَنَان و الوجدان ، دفع بأبنائه لكي يتخصصوا في طب
الأسنان و الأبدان ..
و تعهدهم بالرعاية و التصويب ،
( فكانوا للناس رمز طيبة
و كانوا عنوان للشباب ) ..
و ها أنذا أراهم حفيظين على مجد
أبيهم ، و حسن سيرته بين الناس ..
و كنت و أنا في ( قناة النيل الأزرق ) ،
شاهداً على هذا الحرص ، و كيف
أنهم كانوا يَرْشَحون سعادةً و نحن
نبث ( غِناءه ) ، و يذللون الصعب
في سبيل ذلك ، و لا يضيقون ذرعاً بأولئك الذين يجترون تلك ( الأغاني ) ،
لروعتها و جمالها و عظيم مغازيها ..
( تاني ما تقول انتهينا
تنهي جيل ينظر إلينا
باني آمالو و طموحو
و معتمد أبداً علينا
نحن قلب الدنيا دي
و نحن عز الدنيا بينا
تاني ما تقول انتهينا
نحن يادوب ابتدينا ) ..
.
و هم بذلك قد أسهموا أيما إسهام ،
لتبقى جَذْوته مُتَّقِدة ، وجوانحنا مُفْعَمة بما ترك فينا ( الذري ) من ( أغنيات ) تُجَسِّد مشاعر حية ،
تحيط بالأرواح من كل أرجائها ،
و تخاطبها في كل أحوالها ، بأنبل الغايات ، و أعذب الأمانيات ،
و أنضر الحكايات ، و ابقى
الذكريات ، و أرقَّ المُعاتبات ..
( ابقى ظالم ابقى قاسي
ابقى ناكر ابقى ناسي
تلقى حبك في عيوني
و نغمة في رعشة حواسي ) ..
و جُنون التعلُّق ..
( بريدك و الله بريدك
لو سقيتني السم بإيدك
سمك شفاي و دواي
ياطبيب تعال لمريضك ) ..
ما يربو على ( المائة و خمسين )
من رائعات ( الأغنيات ) الشجِيَّة
و البهِيَّة و الموحِيِة و النديَّة ..
( أحب مكان وطني السودان ) ..
و ( الوافر ضراعو ) ..
و ( أبسمي يا أيامي بسمة الزهر
النامي ) ..
و ( أيامي الحلوة القضيتا معاك )
و ( أعاهدك و احلف احفظ عهدك
أبداً ما بحب تاني من بعدك )
و ( ليالي لقانا جميلة كانت ياسلام ) ..
و ( ابيت الناس ابيت خلاني
و خاصمت الكل علشان حباني )
و ( كيف القى سيد روحي راحتي
و هنايا ) ..
و ( و مهما تغيب عني يا الحبيب
قربك لي هنا و فرقك لي صعيب ) ..
و ( لو داير تسيبنا جرب و انت سيبنا )
و ( مين قساك مين قسى قلبك
مين نساك يا ناسي حبك )
و ( ……… ) ..
و ( ……… ) ..
و ( عزيز دنياي ) ..
( ﻛﻨﺖ ﻣﻌﺎﻙ ﺳﻌﻴﺪ ﻭﺍﻟﻠﻴﻠﻪ ﻓﻲ
ﺑﻌﺪﻙ ﻣﺎ ﺃﺿﻨﺎﻧﻲ
ﺍﺻﺒﺮ ﻳﻤﻜﻦ ﻳﻔﻴﺪ ﺻﺒﺮﻱ ﻭﻳﻤﻜﻦ
ﻧﺮﺟﻊ ﺗﺎﻧﻲ
ﺧﺎﺋﻒ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺗﻐﺮﻳﻚ ﺗﻨﺴﻰ
ﺩﻣﻮﻋﻲ ﻭﺗﻨﺴﻰ ﺣﻨﺎﻧﻲ
ﻭﺃﻓﻀﻞ ﻣﺨﻠﺺ ﻟﻴﻚ ﻟﻮ ﺣﺘﻰ
ﺳﻌﺎﺩﺗﻚ ﻓﻲ ﺣﺮﻣﺎﻧﻲ
ﻭﺍﺿﺤﻲ ﺑﺰﻫﺮﺓ ﻋﻤﺮﻯ ﻋﻠﺸﺎﻥ
ﻣﺎ ﺗﻌﻴﺶ ﻃﻮﻝ ﻋﻤﺮﻙ ﻫﺎﻧﻲ
ﻭﺍﻭرﻱ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺃﻣﺮﻱ ﻭﺍﺳﺘﺸﻬﺪ
ﺑﺎﻟﺤﺎﻧﻲ
ﻋﺮﻓﺖ ﺍﻟﺤﺐ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻚ ﻣﺮة
ﻭﺍﻧﺖ ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﻌﺎﺵ ﻓﻲ ﻛﻴﺎﻧﻲ
ﺑﻬﺮﺏ ﻣﻨﻚ ﻟﺮﺿﺎﻙ ﻭﺑﺤﺎﻭﻝ
ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻚ ﺃﻧﺴﺎﻙ
ﺍﻣﻬﺪ ﻟﻴﻚ ﺗﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﻰ ﺍﻟﻘﻰ
ﺧﻄﺎﻱ ﺗﺠﻤﻌﻨﻰ ﻣﻌﺎﻙ
ﻟﻮ ﺗﻌﺮﻑ ﻋﺎﻳﺶ ﻋﻠﻰ عطفك
ﻛﻞ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻚ
ﺗﻌﺮﻑ ﻳﻮﻡ ﻓﻲ ﺩﻧﻴﺎ ﻏﻴﺎﺑﻚ ﻳﺴﺎﻭﻱ
ﺳﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺩﻧﻴﺎ ﻫﻨﺎﻙ
ﻳﺎ ﺃﻋﺰ ﻋﺰﻳﺰ ﻓﻲ ﺩﻧﻴﺎﻱ ﺃﻧﺎ ﻃﺎﻣﻊ
ﺃﺑﻘﻰ عزيز دنياك ) ..
و ياسلاااااام يا سلام يا ( الطاهر
إبراهيم ) ، عليك الرحمة ..
و سأظل أذكر لك تلك المودة
التي كنت تغمرني بها ، و أنت
من تصطفي و تنتقي ..
و لعل الكاتب و الباحث و الناقد
الفني ( نوح السراج ) ، قد أصاب
عين الحقيقة ، و هو يُوجِز في
وصف ( الذري ) ..
( لم يكن مجرد مُغني و لكنه كان
ظاهرة فنية و مجتمعية ) ..
و أراه ..
إنساناً فناناً
و فناناً إنساناً ..
يخاطب في الإنسان أسمى
العواطف و النوازع و الأشواق ..
و يسعى بين الناس بالأحب إلى
قلوبهم و الأجمل و الأنفع ..
و أنا إذ أحيي هنا أخي الأصغر ( هاشم ) ، فما كان ينبغي لي أن
أُغازل ( الفرع ) ، دون أن أُلامس ،
مُلامسة عَجْلى ( الدوحة ) التي
هي منْبَتُه و أصله و فصله ..
( إبراهيم عوض عبدالمجيد ) ..
( أنفاس الزهر ) ..
رحمه الله و غفر له ..
والسلام ..
حسن فضل المولى ..
١ ديسمبر ٢٠٢٣ ..
https://footall.net/author/kharoun/