الكوارتي… موت أمة !!
قبل عامان من هذا الزمان أشاح قمر بوجهه عن صفحة السماء، فأظلم المساء، وغادرت الحياة… إنطفأ البريق فاغتم الطريق.. سالت دموع الدم على الفقد الكبير.. ناحت الحمائم وانتحب الشجر.. جزع الإنسان والطير والحجر.. ليس فقداً سهلاً.. كلنا لآدم، وآدم من تراب وإلى تراب … وسيد الخلق أجمعين وخاتم المرسلين تحت الثرى، ولو دامت لكانت لأفضل خلق الله وسيد السادات… لكننا نبكي فجيعتنا وفي حدود صبرنا وإيماننا بالقدر.. وبقدر يقيننا بأن الموت غاية وآية وأنه الحقيقة الكبرى … وماء لابد أن نرد حوضه ولو تطاول العمر.
الكوارتي.. موت أمة.. جمع الشمائل بيمينه وطوى الفضائل بشماله … صنع بمكارم الأخلاق مجداً وأوجد لها مكاناً بين الناس … أعاد تعريف الصلات الإجتماعية وكتب من جديد معاني الصداقة والأخوة.
ولج سوح الهلال صبياً يافعاً في عمره… كبيراً في حبه وفكره وبعقله… تدفق منه العطاء هميماً وكان من أصغر الداعمين فلفت إليه الأنظار… تحققت نبوءة الكبار فيه، فشب عن الطوق عاشقاً وقوياً في حبه وإرتباطه.. وسرعان ما حجز مقعده مبكراً بين الكبار فرضع منهم المعرفة والجسارة، وقوة الحجة وشراسة الدفاع المستميت عن حقوق الهلال، ولا غرو أن نال لقب رجل الهلال القوى، فهو حقيق بالإسم جدير بالمسمى.
تفوق على مجايليه وبز زملاء عهده، ووقعت عليه عين الزعيم فكان نعم الساعد اليمين وكاتم الأسرار ورجل المهمات الصعبة.
وهبه الواهب محبة الناس وفتحت له القلوب بلا استئذان يدخلها أنى شاء.. وسخرت له السماء زملاء وأصدقاء في خانة الإخوان تكاملت أفكارهم وتنادت أصواتهم وتشابكت سواعدهم فحققوا للهلال مجداً وشادوا له عزاً.. وكان له من كل نجاح نصيب وفي كل غزوة سهم ومع كل طلعة رمح حتى كاد يماثل خالد بن الوليد… يعود بالنصر وبالجراح.. ولكنه سعيد.
لم يبتعد عن الهلال وظل وفياً لتنظيمه قوياً في الدفاع عنه متألماً لما يلم به… ولكنه لم يعارض قط أي من مجالس الهلال المتعاقبة… وكل ما طرق النادي بابه للدعم والتفاكر والمساندة والشورى والمدارسة كان حاضراً وملبياً النداء، ودخول مجالس التعيين في أي موقع، لا تقيده المناصب ولا يبهجه بريقها بعد أن عمل عضواً وأميناً للمال وسكرتيرا ونائباً للرئيس، كانت تتشرف به المناصب ويزيدها لمعاناً ويجعل لها قيمة.
سفير العطاء… سفيراً للإنسانية والبر والإحسان والعمل الخيري والطوعي.. تبكيه الحرائر بلسان الخنساء فهو بمثابة صخر الهلال.. طويل النجاد رفيع العماد كثير الرماد إذا ما شتا، الشجاع رفيع المنزلة الكريم.
لو كان العطاء رجلاً لكان هو… يكفل الأيتام والأرامل ويطعم المسكين والفقير ويقدم لأجل الله فلا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.
برع الفقيد في بناء العلاقات الاجتماعية فكان رجل دولة ومجتمع، وسفيراً بمعنى الكلمة.. يخيط الدروب ويسلك الفجاج لأجل المحبة والسلام وبسط الوئام ولم الشمل وإزالة الخصام وتذويب الخلاف.. ما كان يهدأ له بال إلا إذا جمع من تفرقت بهم السبل وأزال ما علق بالنفوس.
هذه صفحة واحدة من كتاب عريض له أبواب وفصول، وما هذا إلا قليل مما شهدنا..
أرقد بسلام في الخالدين تحت عرش الرحمان وفي ظله… طبت حياً فطب ميتاً في رحاب رب العالمين.. ترملت من بعدك الحروف ومات جزء من الفضيلة.
يارب… نشهد أن محمد حمزة الخضر كان أمة لوحده فأقبل شفاعتنا فيه..
اللهم أرحم أخ الأهلة جميعهم شقيق عباس واخوته وأبو مهند وإخوانه… إنا لله وإنا إليه راجعون.
اخوك المكلوم .. ياسر عائس