لن أرمي جلباب ابي ؟
استمتع جدا بالمقتنيات القديمة اعشقها وتعشقني وترتحل معي عبر المسافات والمساكن والقارات ، ولما كانت فطرتي مثل بعض بني وطني تميل جدا الي الاحتفاظ والاحتفاء باشياء الماضي التليد غلبني جدا ان احرق قصاصات اصداراتي وقصائدي بل بعض من تذاكر الطيران والقطارات والباصات داخليا وخارجيا وبعض المذكرات والاوراق والخطابات القديمة المتبادلة وبعض الهدايا والكتب والشعارات بل وبعض الملابس التي تفوح منها روائح الماضي والحنين والاخاء وغيرها كانت المشادة الكلامية تدور بيني وبين زوجتي التي تحب الترتيب كل مرة نرحل فيها .،وانا اصر علي لا احرق او ارمي تلك الاشياء التي اشبه بالوثائق بل المواثيق العتيقة فتنتقل معي كروحي وجسدي من مكان لمكان اخر ، رغما عن انني قمت موخرا باستخدام نظام نسخ المستندات ال scanner لكن دوما ياخذني الحنين الي التمسك بتلك العادة التي تكلفني نقل مقتنياتي في كراتين وشنط صغيرة وتمسك بعض المسافات في شقق الغربة الضيقة .
وقد كان لجلباب ابي الاثر العظيم خلال عشرين عاما كاملة في اذكاء روحي معنويا وابهارها ، فلقد عمدت منذ الاسابيع الاولي لرحيل ابي الي ربه وكعادة كل شخص عقب موت احد ان يقوم بالتبرع او التخلص من ملابس الميت ، ولكن جلباب ابي كان شيئا اخر فلقد تدثرت به ليالي وايام وكنت احرص ان اخرج به مهندما منمقا لصلاة الجمعة والاعياد وبعض المناسبات الخاصة ، وكنت اشم فيه روائح الماضي العتيق البهيء في كسلا والمملكة ابان وجود ابي معي لعام كامل قبل رحيله الي ربه .
كنت اشتم فيه رائحة ابي النقية وكنت اتقمصه والبسه وانا اتدثر بسترة العلم والمعرفة والتواضع ، وانا الانسان الذي لم ينل من علم ابي وتواضعه الا القليل جدا والذي علمني منه كنت اضاهي به ضيوفي ومعارفي واسرتي واهلي ، احس فيه الدفء والطمأنينة وروح الحوار .
وللاسف الشديد خرج جلباب ابي في الشهور القليلة الماضية من دورة الحياة وبلي وكم تندمت وانا ارميه في سلة النفايات فكان الاولي ان اضعه فوق مقتنياتي التي هو اغلب منها جميعا ، فكان يكفي ان يضيء لي عتمة الليل والطريق كما كان وكان يمكن ان يمنحني املا مشرقا كما كان من قبل فقد بلي الجلباب فصرت كحال المتنبئ الذي نقده الشعراء وهو سيدهم جميعا و بانه كان لايقف علي الاطلال قط في شعره في بداية قصائد ه فانشد قائلا وهو اهل الشعر والفصاحة :-
بليت بلي الاطلال ان لم اقف بها …
وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه .
لو جري الزمان نحو الماضي لطلبت من امي اغلي ثوب عندها ولطلبت من ابي اغلي جلباب عنده في زمانه وكانا يمكن ان ينفعاني لاتدثر بهما في ليالي الدنيا الحالكات الموحشات ولجعلتهما ذخرفا لغرفة نومي .
لقد مات الاصفياء الانقياء ولكن لم ياخذا معهما كل شيء بحمد ربنا بل تركوا لنا عادات وصفات وجمائل وبعض الايادي التي تقدم لبعض الناس بعض العون ولو كان قليلا كما وتقدم لهما صدقات قليلة لعل ثوابها يصلهما في القبور الموحشة المظلمة ،،(وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا) .
انها دعوة لمن يملك والديه في حياته ان يستغل تواجدهما في الدنيا مغدقا عليهما رزقا وفيرا واحتراما عزيزا وتواصلا نبيلا ثم ليشتم منهما رحيق عرقهما الفواح وكفاحهما العظيم ثم يسرق بعض من جلباب ابيه وثوب امه .
ملحوظة : المفردة السودانية عكس الخليجية تماما ففي السودانية مفردة الجلباب للرجل ومفردة الثوب للمراءة علما بان العكس صحيح بالنسبة للمفردتين في الخليج فالجلباب للمراءة والثوب للرجل وربما كلاهما صحيحتان من حيث الاستخدام المناطقي رغم ان القران ذكر ان الجلباب للنساء ، علما بان المصريين يستخدمون الجلباب للرجال ايضا والله اعلم .
محمد رحمة النور
دالاس تكساس ٤ يونيو ٢٠٢٣م .