اقتصاديات الكرة .. هل نحن خارج العالم ..
قد تكون هناك مسائل شائكة كثيرة ورثتها حكومة حمدوك او ورثها الشعب السوداني بشكل عام بعد سنوات من انقلاب الثلاثين من يونيه وقبل ذلك بما فيها قضية الهوية وفصل الدين عن الدولة والامتداد الجغرافي والتنوع الثقافي وغيرها من المشاكل ولكن المؤكد ان المشكلة الاساسية والتي يعيشها الشعب يوميا وبها تقاس الاشياء هي المشكلة الاقتصادية ..
فالاقتصاد هو اساس الحياة السياسية والاجتماعية في كل العالم ويؤثر حتي في الدول التي تهتم بالدين في تفاصيل حياتها اليومية ..
وكرة القدم ليس بمعزل عن ذلك فكان من الطبيعي ان تتطور مع تطور العالم اقتصاديا وان تصبح موردا من موارد الكثير من الدول ومرتكز اساسي من مرتكزات الاقتصاد ..
واعتقد ان مشكلة مشاكل الكرة السودانية بوجه عام والهلال والمريخ علي وجه الخصوص هي عدم ادارة هذه الاندية علي اساس اقتصادي قائم علي الربح والخسارة بجانب الرقابة المالية ..
ان العشوائية المالية التي تدار بها كرة القدم السودانية علي مستوي اتحادها الوطني مرورا باندية الممتاز بقيادة الهلال والمريخ واندية الدرجات المختلفة والاتحادات في كل الولايات من الطبيعي ان تقودنا الي حلقة مفرغة ندور حولها حتي (ندوش) ونسقط علي الارض ونقوم بمسكنات لا علاقة لها بالعلاج الاساسي ..
نستمتع بالكرة العالمية والدوريات الكبري وفي مقدمتها الدوري الانجليزي ونجري المقارنات الظالمة بين اداء اللاعبين هنا وهناك دون ان نتذكر السبب الاساسي لهذا الفارق الكبير وهو الادارة الاقتصادية ..
فالدوري الانجليزي لم يصل الي هذا المستوي المتقدم الا بعد ان تحول الي دوري محترفين بامتياز يقوم علي اساس اقتصادي تحكمه عملية الربح والخسارة بانضباط تام ..
في هذا الدوري الذي نعجب به وندفع الدولارات للاشتراك في (بي ان سبورت) او الملايين في قناة الخرطوم لمشاهدته او نتجول يوميا في الكافيهات المختلفة في الخرطوم والمدن الاخري ليكسب اصحاب هذه الكافيهات من عرض المباريات اكثر من الطعام الذي يقدمونه ..
في الدوري الانجليزي الذي يجذب انظار كل العالم فان الاندية هناك مملوكة للاجانب الا قلة منها واللاعبون معظمهم اجانب وكثير من المدربين اجانب في بلد الانجليز الذي يعتزون بانهم اصحاب الامبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس وهم اصحاب التقليدية والمحافظة علي التراث .. ولكنه الاقتصاد والرؤية الواسعة لعالم (البزنس ) بينما نحن في السودان نعشق الدوري الانجليزي ونرفض مجرد النقاش في تحويل نادي الهلال مثلا الي شركة خوفا من ان يشتريه مريخابي او يصبح ملكا للكاردينال او صلاح ادريس !!!
ردود بسيطة لموضوع مصيري وعميق .. لنفترض جدلا ان الهلال اصبح بكامله ملكا لشخص في اطار اقتصادي معروف ومحدد .. ايا كان هذا الشخص الكاردينال صلاح ادريس او البرير او السوباط او حتي حسن فاروق .. سيبقي النادي في النهاية ملكا لاسمه وجمهوره لان الاساس اقتصادي ومن يريد ان يبقي مالكا للنادي عليه ان ينجح في ادارته اقتصاديا محققا الارباح التي لا تأتي الا بتطور فريق الكرة والابقاء علي هذه الجماهير علي صلة مستمرة بتشجيع الفريق لانها رأس المال الحقيقي واذا فشل المالك او الملاك في هذا الامر فانهم ببساطة يبيعون النادي لغيرهم مع التزامات مالية كاملة دون ان يدخل النادي في ديون او يتحمل من يرثهم وزرهم .. اننا نعيش الان في حالة من الفوضي المالية لا تحدث في اي مكان في العالم في اندية كبري مثل الهلال والمريخ لها اسمها ومكانتها وجمهورها واصولها .. يمكن لاي شخص ان يصبح رئيسا ويتصرف كما يريد دون اي محاسبة مالية ولو بسيطة من خلال مراجعة الميزانية دعك من حسابات الربح والخسارة و التطور .. لنسأل انفسنا بكل صدق .. لماذا لا تفوز الاندية السودانية بالبطولات الافريقية .. بل لماذا لا تصل اندية كبيرة مثل الهلال والمريخ للادوار النهائية حتي في البطولة الثانية (الكونفدرالية ) لاننا ببساطة لا نتعامل اقتصاديا مع كرة القدم ..
والفوضي المالية تقود الي تسجيلات فاشلة لان عدم الاهتمام بالربح والخسارة في التسجيلات تنتج عنه ادارة مالية فاشلة وبالتالي مشاكل متراكمة وخسائر للنادي وعدم تحقيق نتائج جيدة ..
ونعود لنسأل كم لاعب اجنبي سجلهم الهلال والمريخ في العشر سنوات الاخيرة .. كم مدرب اجنبي ! كم مليون دولار صرفت في هذه الصفقات ..وما هي النتيجة !! الامر يعود مرة اخري الي ان ادارة المال في هذه الاندية لا يقوم علي اساس ربحي ولا انضباطي .. ومن الطبيعي ان تخسر هذه الاندية فنيا وماديا ..
ريال مدريد احد اعظمم الاندية في العالم في موسم التسجيلا قاتل من اجل تحقيق مبلغ 170 يورو من خلال بيع عدد من اللاعبين لان هذا هدف وضعته الادارة لذلك قام ببيع المدافع المغربي أشرف حكيمي لمصلحة إنتر ميلان مقابل 40 مليون يورو، كما تم بيع كل من أوسكار رودريجيز، خافي سانشيز، داني جوميز، خورخي دي فروتوس، ألبرتو سورو، بالإضافة إلى إعارة تاكيفوسا كوبو إلى فياريال مقابل 2.5 مليون يورو ..
في الهلال والمريخ ليس هناك اي سياسة لبيع اللاعبين بل بالعكس الناديان يتعرضان سنويا لخسارات مادية مهولة بسبب التسجيلات ولو كانا في الدوري الانجليزي لاعلنا الافلاس وهبطا لدرجة ادني ولكنهما في السودان حيث (الفوضي) المالية لذلك هما في الدوري الممتاز ولكن بعيدان تماما عن المنافسة علي البطولة الافريقية الا في حالات استثنائية ..
قد يتحدث البعض عن الاهلي القاهري الذي لم يتحول الي شركة وهو اعظم الاندية الافريقية الان ولكن الاهلي له انضباط مالي معروف بجانب الاستثمار في كل شئ ابتداء من الاعلان علي الشعار وحتي بناء الفروع للنادي ..
دول الخليج ذات الاقتصادي القوي بدأت في التوجه نحو الاحتراف الكامل وتحويل الاندية لشركات ..
نواصل ونتحدث عن المبالغ المهولة التي دفعها الهلال في تسجيلات هذا الموسم ..