في عيده الرابع والتسعين:
دكتور حسن علي عيسي يكتب
اعياد الهلال ( لا تأتي بما مضي) وإنما بأمور فيها تجديد
أمّا الأهلة( فالسمراء دونهم- فليت دونك (عيد دونه عيد)
– مرحبا ( فالانتاين ) اللونين الاروعين.
هو عيد أغفلته رزنامة الأعياد الرسمية السودانيه. وأنا هنا لا أريد الحديث عن النشأة فقد سطر المؤرخون الزرق الميامين هذا التاريخ الناصع منذ صرخة الميلاد في ذلك اليوم الميمون البهيج.
فقبل ٩٤ عاما من الان تدافع نفر من صفوة خريجي البلاد وطبقتها المستنيره واستقر عزمهم علي تشكيل صرح شامخ للوطن والوطنيه هدفه الاول مكافحة الاستعمار تحت مسمي الرياضه.
ونسبة لعلو الهمم وعظم الطموح رفعوا ابصارهم الى السماء بحثاً عن الإسم الذي يليق بالشعار النبيل.
واستقر الرأي على الشعار الذي جعله المولي جل شأنه وعلا ميقاتا للناس والحج، ذلك الشعار الذي يجلس علي أعالي مآذن المساجد ويكون له دوما قصب السبق بالتبرك بآيات الله ويطربه صوت الآذان للصلوات الخمس، ومنذ ذلك الوقت صار الشعار النبيل حاضراً في سويداء أفئدة الاغلبية الساحقه من أهل الفطرة السليمه وقد شمخ مقره في مناطق مختلفه من العاصمة الوطنية حتى انتهي به المطاف شمال العرضة.
وصاروا يسمون بإسمه ومشتقاته صناديد فرسانهم ورائعات حسانهم.
والشمال دوما هو منبع الابداع والإلهام، وحتي على مستوي العالم تسير حركة العلوم والتقانه من الشمال الي الجنوب ، وكذلك الحال بالنسبة للموسيقي والنحت والتشكيل وضروب الابداع المختلفه.
كذلك إختاروا له من الالوان أجملها رونقا واسماها معان فكانت حميمية عناق اللونين الاروعين.
فالأبيض هو لون النقاء والصفاء وشعار السلم، وقوانين الحرب والسلام والقوانين الانسانية تعلي شأن هذا اللون حيث انها ضمنته الكثير من قوانينها وموادها ولوائحها، وتغني به المحبون لمحبوبتهم وأشاروا اليهن ب( إنت يا الأبيض ضميرك) أمّا الازرق فهو لون الماء والسماء رمزا للحياة و للرفعة والسمو حيث ترتفع الاكف بالدعاء وتتصاعد الابتهالات.
ومعلوم في علم الالوان والجمال أن اللون الاخضر لون الزرع والمرعي والحدائق الغناء هو مزيج من اللونين الأروعين الأزرق والأبيض.
وهكذا صار الهلال هو متكأ الاغلبية الساحقة من اهل السودان، يأتون إليه من كل فج عميق و على كل ضامر وينيخون ركابهم عند مضارب بني هلال الشماء اعتقادا منهم بأن من يدخلها هو آمن شأنها شأن دار أبي سفيان في تلك الايام التاريخية. ولم يتوقف عشقهم عند جوهرته ومبارياته وتدريباته التي وجدوا فيها ملاذا من هموم الحياة وواقيا من عاديات الزمان وآفاته وتطبيقا عمليا لمبدأ العلاج بالتطريب الكروي الذي إحتكر الهلال براءة اختراعه، يحجون الى ركابه و هم مثقلون بهموم الحياة وقد بلغت منهم الأسقام أي مبلغ. وهناك يفغرون أفواههم دهشة وإعجابا بلوحات الأزاميل الفيدياسيه الزرقاء، عندها تتساقط جراثيم هذا الزمان وآفاته من أجسادهم الطاهره النحيلة التي هدتها هموم الحياة وتعقيداتها وتقاطعاتها، ثم يعودون الي ديارهم خفافا أصحاء، ليس هذا فحسب فقد دخل الهلال بيوتهم وأسرهم مثلما دخل الي اجسادهم فحول دماءهم الي زرقاء وصارت قلوبهم البيضاء بالفطرة ناصعة البياض.
عاد علينا عيد الاحبة الزرق في ظروف بالغة التعقيد والقسوة والوطن يرزح تحت قصف الدانات والصواريخ والدبابات تحول حقوله الخضراء الى خراب ينعق فيها البوم، ومع ذلك فعل الاهله كل الممكن وبعض المستحيل كي يبقي الهلال كالسيف وحده حاملا لواء الوطن في جبال افريقيا وسهولها وهضابها مذكرا الجميع بأن هناك وطن شامخ يحترق وتاريخ تليد تكالبت عليه الأزمات والمحن حتى كادت تقضي على أخضره ويابسه.
فتذكرت قول المتنبي (ومسجد الحي أضحي يضج دما-أواه لو نطقت فيه السجاجيد – تفرق الشمل لا أم على ولد- ولا الشقيق شقيق الروح موجود – فكل بيت غدا في حينا طللا – وكل خطو إلي الأطلال مرصود.)
– ومع ذلك يؤكد الهلال ان المحاولات لعناق اميرة القارة السمراء لن يحول دونها حائل وستبقي دوما في اوج عنفوانها، التحية للهلال اكبر ممسكات الوحده الوطنيه السودانيه.
فعلى أنغام مبدعيه ترقص دارفور وينتشي الشمال ويطير الوسط صقرية وبسحر انتصاراته بتحول الشرق إلي جنة الإشراق، وفي حضرته يجلس وسط البلاد علي ذروة الاولمب.
حفظ الله سودان الهلال وهلال السودان ولطف جل شأنه وعلا بشعب السودان العظيم ورحم شهداءه واسبغ نعمة الشفاء علي جرحاه وجمع شمل مفقوديه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والتحية لاهل الفطرة السليمه ليلة فالنتاين الازرق.